الشاعرأحمد شعيب
بينه وبين الشرقية مسافة إسمها الغربة
تجـربــــــــــة أشعلتهـــــــــا نــــار الاغتـــــراب
عاش الغربة في وطنه وعاش الحلم في الغربة فكتبه شعراً
بين رومانسيّة الحب وصورة الوطن تتماهى رؤية رومانسيّةعميقة
شعره الإنتقادي مهذّب ومحبّب ينمّ عن حب وشغف للأرض والناس والمجتمع
أحبَّ الطبيعة والمرأة ودمج بينهما محاكاةً ومناجاةً مفتوحتين.
شاعــر الحريّـــة والخيـــال، بشعــــره رؤيــة رومانسيّة محبّبة يلحظها القارئ لشعـره.
صقلـت الهجـرة تجربته ولوّنـت أحلامـه الخاصـة.
أحمد شعيب بعد غيابــه نستذكــره ثائراً على العادات والتقاليد، محبّاً للبنــــان والناس.
مـــن الشرقيّــة إلى إفريقيــا وبالعكس رحلــة مــن المعانــاة والشعــــر.
ولد الشاعر أحمد محمد شعيب في بلدته الشرقيّة، وترعرع في أحضان الطبيعة الفاتنة متأثّراً بأجوائها الساحرة وحياتها الفطريّة الخلاّبة التي كانت إحدى روافد نزعته الرومنطيقية القويّة، حيث تجلّى الشعر عنده في سنِّ الخامسة عشرة فساعد ذلك على صقل ملكاته وتوسيع مخيّلته الشاعريّة.
قضى معظم حياته في إفريقيا، وطبع ثمانية دواوين وألّف عدداً من الأغاني لكبار الفنّانين اللبنانيين وشارك كشاعر مسرحي في المهرجانات والأمسيات الشعريّة
شاعر الخيال والرومانسيّة
طغى الخيال والعاطفة على شعره الرومنسي فغرق في الوجدانيّة الحزينة، تغنّى بالحب وقدّس الحريّة, كان ينزع إلى الطبيعة لاعتبارها الخير في مواجهة الشر، " الذي يمثِّله المجتمع".
يا
طير ليش بهالأرض عايش وحيد
رفرف وطير وزقزق وغني
وعيد لا إنت متلـي مبتلي بهمِّ الهــوى
ولا جوانحك بيهمها مجال البعيــد
تلفَّـــت عليي الطير وتنهــد وقـال
ما كان فكري جاوبك عاهالسـؤال
لكن أنــا وإنت التنين بفـرد حـال
ولازم
شريد الحب يشفق عالشّريد
وقلِّـــي وبكــي وبْديت متلو بالبكي
وصاروا الدموع يترجموعنَّا الحكي
دمعـــة
عيونــي عــا حبيبي تشتكــي
ودمعة عيونو تنوح عـا حبّو الشهيــد
النزعة الإجتماعيّة – السياسيّة
تولّدت عنده منذ البداية نزعات ترمي إلى غاياتٍ سياسيَّة, إجتماعيَّة, أدبيَّة, دينيَّة تُجسِّد قناعاته من خلال نقمته على الوضع السياسي الذي كان وما زال سائداً. فكان يحمل همَّ الأمة ويلاحق حكّامها ويهاجمهم مجازفاً بحياته, ينظر إليهم وهم يحتلّون الوزارة والمناصب العليا في الدولة ويجمعون من ورائها الثروات الطائلة دون أي استحقاق أو جدارة فيقول:
روحوا اسألوا دروب المهاجر والسفــر
ليش العم يهاجــر بأوطانـــــو كفــــر
روحوا اسألوا الزفت الملزَّم عالدروب
ليش
الزفت مش قادر يعبِّــي الحفــر
روحوا اسألوا صحاب الخزاين ولِجيوب
هالسارق ذنوبو ليش بسرعــة بتنغفــر
روحوا اسألوا شروق الغزاله والغروب
ليش
الأمن مالـــو عميـــد ولا نفـــر
وشاعر أنا تعرَّفــت عا كــل الشعــــوب
ومن
نوم شعبي والديـاب الجايعيـــــن
قلبي من الشعب ومن الحاكم نفــر
يشير في شعره إلى أنّه أراد دائماً التحصيل من أجل القضيَّة التي يذكرها ويدافع عنها رافضاً كل المكاسب.
عاش القضية الفلسطينيّة وخصّها بكتاب "دروب الفدا"، ورأى في القائد جمال عبدالناصر شرفاً للعرب كلهم وفخراً للدنيا بأسرها, فيتأمّل في هذا البطل وفي النصر الذي حقّقه, عاطفته تجاهه تجسِّد الإعجاب به والحزن لفقده والحب الكبير للعرب وعاطفته صادقة فأبياته جاءت زفرات مدماة يصعّدها وجدانه الملتهب بفراق هذا القائد حتى خصّه بكتاب "وداع الأبطال".
لبنان المظلوم باسم الدين
أما عن لبنان وحربه فكان لهما نصيب وافر في شعره، ما كان يهز مشاعره ووطنيته فترى شعره مصطبغاً بصبغةِ الحرائق والقذائف والدم المسفوك، فتنبع قصيدته الوطنية من إحساسه المرير بمأساة وطنه في ظل الإحتلال لبلاده وإيمانه بضرورة الإنتصار على العلل التي كانت تفتك بروح الأمه وتعطِّل العزيمة وتحول دون نهوضها. فيقول:
يا
بلادنا يـــا بلاد محرومـــــه
من شعب يرعاكي ومن حكومه
عم يتهموكي بنعــرة الأديـــان
وإنتــي بإســـم الدين مظلومـــه
كنتي
الهنا والحـب والغفـــــران
وصورة عن الفردوس مرسومه
صاروا
القرايب والأهل عــدوان
صرتي بلا تقسيـــــم مقسومـــــــه
لابـــد
مــــا يتغيـــَّــر العــــــدَّان
وترجع أرض وحقوق مهضومه
برجــع
بغني للوطـــــن قصــدان
وبمزِّق وراق السفــــر وبقــــــول
عندي بــــلاد وشعب وحكومـــــه
أكثر من شعر الهجاء وبرع فيه, كذلك النقد البنَّاء وكان ذلك يتصل بمجتمعه وعصره، فيقول:
بلادي القصيدة لْكنت غنِّيهــــا
وعلِّي جْبيني وإفتخرفيهـــــا
كانت بلاد الخيـر والعمــــران
ذياب وغنم صاروا أهاليهـا
ولمَّا بحماها ما عدت قـــدران
دربي بسلامه وخير كفِّيهـــا
حبَّيت عيش وموت بالهجران
بغابـــات بْتِأْذي ضواريهـــا
قولولها عا ذكرها سهـــــران
وياما كنت إسهـر وغفِّيهــــا
وكل ما بصلِّي بُطلب الغفران
لعيونها اللي شــرَّدوا قلبـــي
وبدعيلهــــــــا ألله يهنِّيهــــــا
وعن حبِّه لإسلامه وتعلُّقه به وانفتاحه على كل الطوائف والأديان تجلَّت قصائده الدينية في كتاب " أيام الإمام " فضلاً عن القصائد الأدبية والغزلية والإجتماعية التي تروي معاناة الناس والمجتمع .
كان يبدع اللمعات الوصفية الرائعة كلّما تحرر من قبضة المنطق وتجاوز حدود الواقع وتفاصيله لينظر إلى ما وراء الموصوف من ظلال وأبعاد.
الرؤيا والتجربة
الشعر عنده لم يكن تطريباً ولم ينحصر في الكلام الموزون والمقفّى بل كان رؤيا جميلة تنفذ من التجربة الخاصة المحدودة إلى آفاق الحياة, بل إلى عتمات الوجود وأسره. فقال متغنِّياً بنبع الصفا:
ما جيت غنّي طرب بربوعك وإصطاف
وفيِّق عيون السمــر عا صوت
موّالــي
جايي بعــــزّ البـــرد والثلــج والنفنـــاف
طفِّي حريق القلب من دمعــك الغالــي
يتجسَّد في قصائده العاطفية عمق الحب والتجربة القاسية التي تتخم القلب همّاً وحزناً, كما أنّه اختار من صيغ الكلام ما يعبِّر عن معاناته وما يختزن الكثير من توجّعه:
لا تهربي عيونــك من عيونــي
خلِّيهــــن قبــــــالي يقبـــــروني
بعيونــــك حكايــات وروايــات
وسحر وغِوى بيعقِّل جنونـــي
شفتك
وصارت تركض الإيـام
وخاطر يقلِّي عا جروحك نـام
بدَّك حكم قاسي وقفص إتْهـــام
ما كان حبَّـــك حب قانونـــــي
ويمكن تقولي كيف قادر طيــر
ما زال كسَّرني الهوى تكسيـر
لاتفزعي طلَّعـــت فيكي كتيـــر
قلبي شبع وتموَّنــــو عيونــــي
محراب الطبيعة
وجد نفسه في محراب الطبيعة التي لم تكن موضوعاً منفصلاً عن ذاته ولا وسيلة يظهر بها معانيه وأفكاره, بل كانت مرآة ذاته, إمتداد لها, يقرأ فيها كل ما يختلج في تلك الذات من هواجس وانفعالات فيختزل المسافة التي قد تنشأ بين الطبيعة وأي شاعرٍ آخر:
يا ريت فيها حجـــار ضيعتنـــا
تتكلَّـــم وتحكـــي حكايتنـــــــا
نحنـــا إذا منحكي بهالإيـــــام
قبـــل الحكي بتعِــنّ كلمتنـــا
كنا
نغنِّــي وتســـــرح الأنغــام
ونعزم على الأفراح جيرتنـا
كنا بليالــي الشعـــر والإلهــــام
تلاقي طلوع الضو سهرتنــا
ما عاد فينـا نسهـــر ولا ننـــام
أكبر من الفرحـــــة مصيبتنا
إعتمد في تعبيره عن مشاعره الألفاظ الواضحة العذبة, وامتازت بعض مفرداته بإيقاع ٍ جميل ينساب من تناسق حروفه فكان يكتب الشعر بكلِّ حواسِّه.
فستان
عرسك بكي وتنهَّدوا الخيطـــان
لما غلطتي وعلى عرسك عزمتيني
مدري قصدتي الغلط مدري أنا الغلطان
هديتك قماش العرس ورقه هديتيني
وخيّـــاط
ثوب العرس ما بنكرو فـنـــان
لكن نسي واجبو وما كمَّل الزينـه
لو كان مني طلب خيطـــان للفستــــان
وحياة سر الهوى بْسَحِّب شرايينـي
كان يغنّي المضمون على حساب الشكل، ويظهر براعة الجنوح بالصور الشعرية والأخيلة إلى الإيحاء وخلق عوالم شعرية توحي أكثر مما تفسِّر:
جرَّبت
تــــــاجر بالعمــر مــــرَّة
ومن جانحيــن الشعر إتعــــرَّى
صعبة
السمك يللي خلِـق بالميّْ
يرتاح ســاعة لو طلـــع بــــرَّا
سافرت عا نـار الجرح والكيّْ
وزادت شمس إفريقيـــا الحـرَّة
عــا لهفــِة الإم وحنيـن البـيْ
واليوم شمس العمـــر مصفرَّه
وباقي
بعد من هالحيــاة شــــويّْ
يمَّـــــا بكفِّيهـــا مع الأحبـــــاب
يمَّـــــا بـــلا هالعمـــر بالمــــرَّه
عاد إلى لبنان في العام 2003 واستقرَّ في بلدته الشرقية حيث أكمل مسيرته الشعريّة والزجليّة، وشارك في العديد من الإحتفالات إلى أن أصيب بمرضٍ عضال, فجفَّ قلمه وبُحَّ ًصوته وغاب الحرف عنده بعدما تربَّع على عرش الشعر سنوات, توفيَّ إثرمرضه عن عمرٍ ناهز السبعين, وهكذا اختتمت حياته وكُتِب الفصل الأخير فيها حزناً وألماً لفراق شاعرٍ عاش الحلم في الغربة وعاش الغربة في الوطن وبه فقدت الشرقية أحد أكبر شعرائها الذين تغنّت بهم وتغنوا بها حاملين لواها طوال حياتهم.
مؤلفاته الشعرية
1. مشاعل 1955
2. جميلة بو حيرد 1959
3. حنين المهاجر 1961
4. دروب الفدا 1967
5. وداع الأبطال 1970
6. جروح 1972
7. أيام الإمام 1973 الطبعة الثانية 2007
8. لبناني غريب 1999
مريم شعيب